[ ما هى أوجه القصور التى تعوق عمل الأحزاب ؟ .. ماهى أسباب تراجع التجربة الحزبية فى مصر؟ ..لماذا لم تحقق المرجو منها بعد ثلث قرن من عودتها ؟ .. هل يرجع ذلك إلى الإطار القانونى والإدارى الذى يحكم عملها ؟ أم أنه يعود إلى قصور فى آداء وممارسات تلك الأحزاب نفسها ؟.. أم أنه يعود إلى السببين معاً؟ طرحنا هذه التساؤلات على المهتمين بالشأن الحزبى ، فأكدوا أن مظاهر تلك الأزمة وأسبابها وانعكاساتها على الحياة الحزبية والسياسية فى مصر والمقترحات الكفيلة بالتغلب على تلك الأزمة تتلخص فى ان كل الأحزاب تعاني من مشكلة تكريس بقاء شخص واحد في قيادة الحزب،قال الفقيه الدستورى د/ عاطف البنا انه منذ اقرار التعددية الحزبية عام 1976 لم تتغير اغلب قيادات الأحزاب، فمع تأسيس كل الأحزاب رأسها شخص واحد هو مؤسسها، ولم يترك أي منهم هذا المنصب وقد أدى هذا إلى استمرار رؤساء بعض الأحزاب في مواقعهم لعقود من الزمن ، وقد أدى طول فترة بقاء رؤساء هذه الأحزاب في مواقعهم إلى مظهر آخر من مظاهر أزمة القيادة في تلك الأحزاب، ألا وهى تقدم معظم هذه القيادات فى السن وما يخلفه ذلك من جمود فى الفكر وعدم إتاحة الفرصة لأجيال الوسط والشباب للمشاركة في قيادة الحزب.
ولا يقتصر بقاء القيادات في مواقعها لفترة طويلة على رؤساء الأحزاب وحدهم ولكن يمتد إلى بقية أعضاء نخبة الحزب، وإن كان بشكل أقل، ونقصد هنا بنخبة الحزب أصحاب المواقع القيادية مثل نائب رئيس الحزب، وكيل الحزب، الأمين العام، الأمين العام المساعد، سكرتير عام الحزب ومساعدوه، أعضاء الهيئة العامة فى الحزب....الخ. [ وأوضح د/احمد سعد نائب رئيس مجلس الدولة السابق ان ظاهرة شخصنة السلطة أو الزعامة التاريخية أدت إلى تفجر صراع رهيب داخل أحزاب المعارضة بمجرد رحيل الزعيم المؤسس للحزب، أو حتى قبل رحيله، فى حين تشهد الأحزاب التي لا تزال رؤسائها على قيد الحياة العديد من الاتجاهات الانفصالية يفجرها عادة استئثار رئيس الحزب بكل الصلاحيات والسلطات وطول فترة بقائه فى منصبه، ومن هنا أصبحت معظم هذه الأحزاب مهددة بالانفجار من الداخل، أو أنها انفجرت بالفعل.[ ويضيف محمود السخرى وكيل حزب الأحرار على كلام د/ سعد قائلاً :لعل أبلغ الأمثلة على اثر وفاة القيادات التاريخية للحزب على استقراره بعد ذلك، هو ما حدث فى حزب الأحرار، فقبل مرور40 يوما على رحيل رئيس حزب الأحرار مصطفى كامل مراد فى أغسطس 1998 انفجر الصراع حاداً ومسلحا ومشبعا بكل سمات عدم الديمقراطية على رئاسة الحزب ، ووصل عدد المتنازعين على رئاسته إلى 14 شخصاً و14 جمعية عمومية، يمارس كل منهم رئاسة الحزب على الورق فقط، ويتخذ قرارات بإحالة الأخر للتحقيق بتهمة ارتكاب مخالفات، ويكتسب انفجار حزب الأحرار دلالة تتجاوز حجم هذا الحزب وموقعه, وهى أن وصول الصراع على قيادة الأحزاب إلى حد الاشتباك شبه المسلح ليس مقصوراً فقط على الأحزاب الهامشية وانما يمكن أن تمتد إلى أحزاب كبيرة لها باع طويل فى الممارسة السياسية. [ فقد تم تجميد حزب العمل بعد تفجر أزمة رواية وليمة لأعشاب البحر والتى قادتها صحيفته ، حيث حدث صراع رهيب على رئاسة الحزب بين كل من إبراهيم شكرى وأحمد أدريس وحمدى أحمد, وإزاء هذا التنازع ما كان من لجنة الأحزاب الا أن جمدت عمل الحزب وقررت عدم الاعتداد بأى من المتنازعين على رئاسته [ أما الحزب الناصرى فقد أصبحت ظاهرة الانشقاق والصراع على رئاسته عرضاَ مستمراً منذ السماح له بمزاولة عمله عام 1992.
[ وقال القطب اليسارى عبد الغفار شكر أن الصراعات والإنشقاقات ظلت هى الظاهرة الأساسية المميزة لهذه الأحزاب. وفي بعض هذه الأحزاب وصل الصراع إلى مدى غير مسبوق، وفى بعضها الآخر اتخذ الصراع على رئاسة الحزب شكل المسلسلات الهزلية أو الكوميدية وقد أدى كل هذا إلى تجميد معظم هذه الأحزاب من جراء تدخل لجنة شئون الأحزاب واصدارها قرارات بهذا التجميد لحين الفصل فى النزاع على رئاسة الحزب. [ ويرى فتحى سعد الأمين العام لحزب مصر الفتاة ان ازمة القيادة فى الأحزاب المصرية ليست مسئولية طرف واحد .. بل أنها مسئولية مشتركة بين طرفي النظام السياسي فالقيادات التاريخية للأحزاب السياسية لعبت دورا كبير فى إختفاء نجوم العمل السياسى وعدم ظهور صف ثاني واختفاء الكوادر الشابة القادرة على الاتصال بالقواعد الجماهيرية من خلال تهميش اكثر من جيل وعدم اتاحة الفرصة للتطلع إلى منصب قيادى, وتركيز السلطات داخل الأحزاب في أيدي اصحاب الثقة وليس اصحاب الموهبة, وكانت النتيجة هي حدوث انشقاقات رهيبة داخل الأحزاب فور اختفاء رئيس الحزب وأحيانا اخرى قبل اختفائه الامر الذى ادى في النهاية إلى تجميد نصف الأحزاب الموجودة على الساحة.. ومن هنا فانه إذا كان لتلك الأحزاب أن تتجاوز تلك الأزمة وتداعياتها على الحياة السياسية فلا بد من إصلاح العديد من أوجه الضعف التي تعتريها وأوجه القصور التي يعانى منها النظام الحزبى فى مجمله .